{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله} منصوبٌ بمَا تعلقَ بهِ اللامُ منَ الاستقرارِ أوْ بمهينٍ أو بإضمارِ أذكُرْ تعظيماً لليومِ وتهويلاً لَهُ {جَمِيعاً} أيْ كُلُّهم بحيثُ لاَ يَبْقَى منهُمْ أحدٌ غيرُ مبعوثٍ أوْ مجتمعينَ في حالةٍ واحدةٍ {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} منَ القبائحِ ببيانِ صُدورِها عنهُمْ أوْ بتصويرِهَا في تلكَ النشأةِ بما يليقُ بَها منَ الصورِ الهائلةِ عَلى رؤوسِ الإشهادِ تخجيلاً لهُم وتشهيراً بحالِهم وتشديداً لعذابهم وَقولُه تعالَى: {أحصاه الله} استئنافٌ وقعَ جَواباً عمَّا نشأَ ممَّا قبلَهُ منَ السؤالِ إمَّا عنْ كيفيةِ التنبئةِ أو عنْ سببِهَا كأنَّه قيلَ كيفَ ينبئُهمْ بأعمالِهم وهيَ أعراضٌ متقضيةٌ متلاشيةٌ فقيلَ أحصاهُ الله عدداً لمْ يفُتْهُ منْهُ شيءٌ فقولُه تعالَى: {وَنَسُوهُ} حينئذٍ حالٌ من مفعولِ أَحْصَى بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور أو قيل لم ينبئهم بذلك فقيل أحصاه الله ونسوهُ فينبئهمْ بهِ ليعرفُوا أنَّ مَا عاينُوه من العذابِ إنما حاقَ بهمْ لأجلِهِ فيهِ مزيدُ توبيخٍ وتنديمٍ لهُم غيرِ التخجيلِ والتشهير {والله على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ} لا يغيبُ عنهُ أمرٌ منِ الأمورِ قطُّ والجملةُ اعتراضُ تذييليُّ مقررٌ لإحصائِهِ تعَالَى وَقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض} استشهادٌ على شمولِ شهادتِهِ تَعَالَى كَمَا فِي قولِهِ تَعَالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذى حَاجَّ إبراهيم فِى رِبّهِ} وَفِي قَوْلِهِ تَعَالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ} أي ألمْ تَعلمْ علماً يقينياً متاخماً للمشاهدةِ بأنَّه تَعَالى يعلمُ مَا فِيهمَا مِنَ الموجوداتِ سواءٌ كانَ ذلكَ بالاستقرارِ فيهمَا أو بالجزئيةِ منهُمَا وَقَوْلُه تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة} إلخ استئنافٌ مقررٌ لِمَا قَبْلَهُ من سعةِ علمِهِ تَعَالى وَمُبينٌ لكيفيتهِ ويكونُ منْ كانَ التامةِ وقرئ: {تكونُ} بالتاءِ اعتباراً لتأنيثِ النَّجوى وإنْ كانَ غَيْرَ حقيقيَ أيْ ما يقعُ من تناجي ثلاثةِ نفرٍ أي منْ مسارتهم على أنَّ نَجْوى مضافةٌ إلى ثلاثةٍ أوْ عَلَى أَنَّها موصوفةٌ بِها إمَّا بتقديرِ مضافٍ أيْ منْ أهلِ نَجْوى ثلاثةٍ أو يجعلهُمْ نَجْوى فِي أنفسهِم مبالغةً {إِلاَّ هُوَ} أي الله عزَّ وجلَّ: {رَّابِعُهُمْ} أيْ جاعلُهم أربعةً منْ حيثُ إنَّه تعالَى يشاركهُمْ فِي الاطلاعِ عَلَها وهُوَ استثناءٌ مفرعٌ مِنْ أعمِّ الأحوالِ {وَلاَ خَمْسَةٍ} ولا نجوَى خمسةٍ {إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} وتخصيصُ العدَدينِ بالذكرِ إما لخصوصِ الواقعةِ فإنَّ الآيةَ نزلتْ في تناجي المنافقينَ وإمَّا لِبناءِ الكلامِ عَلى أغلبِ عاداتِ المتناجينَ وقدُ عممَ الحكمَ بعدَ ذلكَ فقيلَ: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ} أيْ ممَّا ذُكرَ كالواحدِ والاثنينِ {وَلاَ أَكْثَرَ} كالستةِ وما فوقَها {إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} يعلمُ مَا يَجْرِي بينَهم وقرئ: {ولاَ أكثرُ} بالرفعِ عطفاً عَلى محلِ منْ نَجْوى أو محلِ ولا أدْنَى بأنْ جُعِلَ لاَ لنفي الجنس {أَيْنَ مَا كَانُواْ} من الأماكنِ ولو كانُوا تحتَ الأرضِ فإنَّ علمَهُ تعالىَ بالأشياءِ ليسَ لقربٍ مكانيَ حتَّى يتفاوت باختلافِ الأمكنةِ قُرباً وبُعداً {ثُمَّ يُنَبّئُهُم} وقرئ: {يُنْبِئَهُمْ} بالتَّخفيفِ {بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة} تفضيحاً لَهُمْ وَإِظهاراً لما يوجبُ عذابَهُم {أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} لأنَّ نسبةَ ذاتِهِ المقتضيةِ للعلمِ إلى الكُلِّ سواءٌ.